7
Jun
2024
0

أبو ملحم يعود الى الوعظ

من حق لبنان أن يدافع عنه أبناؤه. ترتفع أصوات المسؤولين الإسرائيليين مُهدّدة برد لبنان إلى العصر الحجري. هم على كل حال يعتبرون الفلسطينيين، كما العرب، حيوانات بشرية. لا شيء يردعهم عن قضم الأرض سوى الدفاع الذي يتطلّب حداً أدنى من التنسيق والتعاون بين القادة اللبنانيين من جميع الأطياف والأحزاب والطوائف، حتى لا يقولوا في مستقبل قريب “ولات ساعة مندم”.

نعرف قدرة القادة السياسيين اللبنانيين على الفهم والإدراك والولاء لشعبهم. نطلب منهم إذا ابتلينا بهم أن يتحالفوا، ويتحدوا، ويتشاوروا، أو فعل أي شيء فيما بينهم ليبدو لبنان سداً منيعاً في وجه العدو الإسرائيلي.

تستطيع إسرائيل أن تفعل ما شاءت، إذ هي تملك ما يفوق حاجتها من المال والسلاح والتقدم التكنولوجي والدعم الأميركي. أما لبنان، فهو بلد صغير فقير على جميع هذه الأصعدة، لكن ما من دولة، مهما كانت صغيرة، تُهزَم إذا كانت مُوحّدة الإرادة.

لبنان بلد صغير سرقه أهله؛ فعل ذلك أهل المال (المصارف) بإشراف الطبقة السياسية التي لا ننتظر الكثير منها في الدفاع عن لبنان. كثيرٌ من أصحاب المال حملوا مالهم وهاجروا من لبنان. ربما كانت الفرجة من بعيد على الحرائق التي سوف تشعلها إسرائيل أكثر سلامة لأهل الفرجة.

ربما كانت هذه متأخرة وقد فات الأوان، لكن اللبنانيين من غير السياسيين ومن الطبقات الدنيا، إذ ذابت الطبقة الوسطى، يُريدون شعوراً بأن انتماءهم للبنان ليس وهماً زائفاً؛ يُريدون معنى لهذه الحياة دون الذل الذي تفرضه هزيمة دون مواجهة. لم يكن لبنان بالأمس واليوم، وحتى في المستقبل، هو الذي يعلن الحرب أو يبدأ بشنها، مهما قال المزايدون، وهم كثر. حمانا الله منهم.

لا يريد اللبنانيون جدلاً بيزنطياً حول الدجاجة والبيضة، وأيتهما تأتي أولاً. العدو يحاصرنا تحت الأسوار وفوقها، وتحت الأرض وفي أعماقها. يريدون أن تكون حياتهم ذات معنى ومغزى، وهو ما بتنا نفتقده، إذ يعترينا شعورٌ أن البلد الذي ننتمي إليه أصبح في مهب الريح.

مرّت علينا هزائم كثيرة منذ عشرات السنين. وأيضاً حربٌ أهلية طاحنة دامت 15 عاماً، لكننا لم نشعر أننا في قاع الحضيض كما اليوم. ما يُخيفنا أكثر من أي شيء آخر ليس هزيمة أخرى محتّمة، أو تكاد تكون كذلك، بل هذا الانقسام بين اللبنانيين حول كل شيء مهم، يتعلّق باستمرار الحياة الحرة الكريمة.

يقول الشاعر “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”. لكن آمالنا صغرت، وتكاد تتلاشى، ومصيرنا متعلّق بقرارات الغير. كنا في آيام مضت نطمح إلى الوحدة الكبرى، ونحن اليوم نرى وحدة القطر صارت في حيز المستحيل. ألم يقل أحدهم على شاشة التلفزيون: “لا نستطيع العيش وأياكم”. علماً بأن معنى الدولة الوحيد هو العيش سوية.

كل مجتمع متعدد، حتى الفرد متعدد الهويات. نعيش سوية بالسياسة، وهي علم التسويات والتنازلات لدى كل من يعتقد أنه يمتلك الحقيقة، وأن الرأي الذي يعتنق هو الصواب دون غيره. لا بدّ من تذكّر قول الإمام الشافعي: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الخصم خطأ يحتمل الصواب”.

الصواب ليس رأي من الأطراف دون الأخذ بالاعتبار احتمال الصواب عند الآخرين. إذا كان الأمر أن مختلف الأطراف في لبنان لا يعتبر كل منهم رأي الآخرين على أنه بعض الصواب، فعلى الدنيا السلام. قال الشاعر:
لَقَد أَسمَعتَ لَو نادَيتَ حَيّا        وَلَكِن لا حَياةَ لِمَن تُنادي.