أردوغان: تجارة لحوم البشر.. المال مقابل البشر
لم يفعل أردوغان أقل من ذلك. يتاجر بلحوم البشر. يتاجر بالبشر أحياء وأمواتاً. يهجرهم الروس والنظام السوري وحزب الله أحياء أو أمواتاً. يتاجر بهم أردوغان في أوروبا. جوهر اللعبة أعطونا المال نمنع عنكم هجرة البشر. المال لقاء البشر. قطعان نسوقها إليكم (الى الأوروبيين) إن لم تدفعوا الأثمان. هي تجارة البشر سواء أجبروا على أن يُباعوا أو أن يُشتروا. النظام دفعهم للخارج. “ثمنهم” بقاء النظام. والبقاء مصلحة ايديولوجية ومالية. أما بالنسبة لمن هم خارج النظام، فعودتهم مرهونة بالنظام المرهون بقاؤه بمصلحة مالية وايديولوجية. قوى الاحتلال في سوريا من النظام الى الروس الى الايرانيين الى الأتراك الى الأميركيين الى حزب الله يخالون الناس قطعاناً. لكل قطيع ثمن في سوق النخاسة. عنصرية قديمة جديدة.
اعتبار الناس سلعاً في سوق المزايدة على بقاء النظام أو تبعيته لهذه القوة الإقليمية أو تلك، لتلك الامبراطورية العظمى روسية كانت أو أميركية، هو فعلاً لممارسة حق تقرير المصير. مصير يقرره لا الشعب المعني بل القوى الامبريالية المسيطرة. قوى يدعي بعضها الانسانية، وبعضها يعتنق الإسلام، وبعضها يعتنق حقوق الانسان. أجمعت أن حق تقرير المصير يُقرره غير الشعب المعني. لا يقرر السوريون مصيرهم، بل الاستبداد الذي تحميه كل قوى المعمورة المحلية والدولية. الصراع على الإسلام هو صراع على الحق باستعباد العرب، لكون الأكثرية مسلمين من هذا المذهب أو ذاك.
فيروس الكورونا له مصدر. الدول المصابة شعوبها به أخفت المعلومات أو هكذا قيل. فكأنها تراهن بحياة شعوبها لأسباب سياسية؛ مراهنة في سبيل البقاء. البدل هو الحياة البشرية. النيوليبرالية تلعب بالحياة البشرية. لا تهمها الحياة البشرية ما دامت مصدراً للثورة. إلههم المال. والبشر وسيلة البقاء. إله الدين وإله المال إثنان في واحد. واحدهما وُجِدَ أو أوجد نفسه من أجل الآخر. لا يحترم الدين إلا المال، ولا يحترم المال إلا الدين. كل منهما لا يحترم البشر. حياة البشر لكل منهما وسيلة. البشر قطيع يمكن الاستغناء عنه. القطيع يُباع ويشترى. عبودية من نوع جديد. رق قديم جديد. يزدهر الدين في عصر النيوليبرالية. وفي كل عصر يتراجع فيه احترام الحياة البشرية واعتبار الروح البشرية. لا قيمة بالنسبة للنيوليبرالية إلا لما يُباع ويُشترى. الحياة البشرية في هذا العصر هي السلعة التي تباع وتُشترى بأثمان باهظة أو رخيصة.
كيف أصبح البشر سلعة؟ جعلت الرأسمالية من قوة العمل سلعة. ثم جاءت النيوليبرالية، أي الرأسمالية في عصرالمتآخر (الراهن) وجعلت أصحاب قوة العمل أي البشر سلعاً.
دول لها قومياتها وحدودها. الحدود لم تعد معابر. صارت أسيجة. ويتم رفض الآتين من الخارج كلما كانت أحوالهم سيئة وتصل الى حد اليأس. المطردون من أرضهم لا أرض لهم. لا وطن ولا جواز سفر ولا وسائل معيشة. يحتاجون الى مساعدة أو الى تشغيل. المساعدات تُمنح لتملأ قلوب المانحين بالحبور. فخورون بانسانيتهم. يرفعون رؤوسهم باعتبار أنفسهم محسنين. استقبال المهاجرين ربما أفادهم للاستخدام في أعمال رخيصة الأجر. تُنتزع انسانية وبشرية المهجرين منهم في أوطانهم. في البلاد التي يصلون إليها يعاملون وكأنهم من غير البشر. بالطبع هم غير مواطنين. ولا يحق لهم ما للمواطنين من حقوق. في زمن العولمة تتأكد قوميات ومواطنيات بعض البشر وتنتزع من آخرين. التمييز بين البشر سمة العصر. تحتاج إليهم البلدان المستقلة كقطعان متدنية الأجر وفي المهن الخسيسة. الإحسان مرتبط بأن يعمل هؤلاء. الإحسان يخفي العنصرية المتصاعدة في البلدان المستقبلة. ضرورة العنصرية تتأكد لفرض ظروف العمل المذلة وما يرافق لجوء القادمين المهاجرين.
لكن الأصل، أصل الجريمة، هو في البلّد المصدّر للبشر. في التاريخ القديم والوسيط كان التجار الغربيون والعرب واليهود يلتقطون العبيد. يتصيدون العبيد بالقوة. من السلاف البيض من أوروبا والسود في أفريقيا. صارت دول المنشا تطرد عبيدها. الحرب دائرة وهناك عذر قبيح لكل طارد.
في بلد المنشأ نظام أمني. مخابرات تعرف القاصي والداني. وما يفكّر فيه البشر وما لا يفكرون. هبّت ثورة. لم يعرف بها أصحابها قبل وأثناء نشوبها. أعلنت أنها سلمية. أصر النظام على السلاح. تحولت الى عنف بفضل النظام والقوى الخارجية الداعمة لها. توسّع القتال. صار حرب إبادة. أن تُدمّر نصف البلاد وأكثر، وأن يُقتل ويُصاب الملايين من الناس، وأن يُهجّر من بقى، فهي حرب إبادة. لا نعرف تسمية أخرى لما يحصل. المجتمع، الشعب، الجمهور، لم يكن لوجودهم لزوم زمن الاستبداد إلا للخضوع والاستسلام. في الزمن الجديد لم يعد وجوده لازماً. خرج عن الدور المحدد له. لا يرتبط النظام بالمجتمع. يرتبط المجتمع بالنظام بالخضوع وإلا فليرحل أو يُقتل أو يُصاب في أرضه. سيان سواء رحل أو أصيب في أرضه. الأرض لغيره. الوطن لوافد جديد. المقيم القديم يُباد لصالح شعب جديد. ألا تحتاج الأرض لمن يسكنها؟ تُستقدم الاستثمارات وتُسمى إعماراً. هذا الأمر ما زال في حكم غير المؤكد. المؤكّد الوحيد حتى الآن أن الشعب “الأصلي” أبيد أو أزيح من مكانه. ويخضع لاعتبارات أخرى مصدرها غير دولته. تجتمع دول أخرى إقليمية وكونية لتقرير مصيره. تقرير المصير لم يعد أداة بيد الشعب لممارسة الاستقلال والتحرر. صار “تقرير المصير” أداة بيد النظام للاستبداد بالناس أو تهجيرهم وطردهم ونزع أنسانيتهم. بالطبع تعلن منظمات حقوق الانسان أن الكيل طفح إذ تجاوز الأمر ما يُسمى حقوق الانسان.
الغرب لديه “مقولة” حقوق الانسان. يصارع كلاميا للدفاع عن الحقوق. الدول الفاعلة عالمياً ومحليا تمارس “حقها” في الدفاع عن نفسها خارج حدودها بالتعدي على المجتمع المسالم تحت شعار محاربة الإرهاب. لا بدّ لهم من وجود الإرهاب أو اختراعه في مكان ما داخل المجتمع. ما ظهر منه حتى الآن هو ارهاب الدول، وإرهاب آخر يُنسب للمجتمع لكن الدول الكبرى الاقليمية والعالمية ترعاه وتموله. نسي الجميع أن الإرهاب ليس مصدره المجتمع بل الدولة في كل مكان. إذا لم تمارسه الدولة مباشرة فهي سبب له. الاستبداد سبب آخر. إرهاب منظّم تمارسه دول النظام العالمي وجيوشها ضد الشعوب التائقة للحرية. خاصة عندما تحاول ممارسة حريتها بالثورة على الاستبداد. ليست سمة النظام العالمي “حقوق الإنسان” بل الإرهاب. كيف يكون غير ذلك وهو نظام رأسمالي يستغل الانسان ويستعبده، ويريده أن يبقى كذلك؟
عندما تثور الشعوب فهي تهدد النظام العالمي. عالم معولم مرتبط ببعضه. حرية العرب وعروبتهم يهددان النظام العالمي بالثورة. إذن يجب قمعهم وإبادتهم. لا نعرف جماعة إرهابية، دينية أو غير دينية، إلا وكان مصدرها وممولها دولة ما، مجاورة أو بعيدة. غريب هذا الإجماع الدولي على محاربة الإرهاب، وعلى أن يكون الإرهاب عربياً. في جزء من بلاد العرب نفط وغاز. من المهم أن يبقى بيد أرباب النظام العالمي وإلا فالاستبداد أو الإبادة. لن تسيطر الشعوب على مصادر الطاقة في العالم. هذا من حق رأسمالية الدول الأقوى، كما ترى هذه الدول.
لكن الأخطر من نظرية الإرهاب “المتفشي في المجتمع، هي نظرية المجتمع المصاب بمرض التطرّف (القاعدة، داعش، الخ…). الأجزاء المريضة يجب استئصالها. مع الأجزاء المريضة يجري استئصال المجتمع كله. هو مصاب بسرطان لا يمكن الشفاء منه. ليس التطرّف الديني (داعش، القاعدة) مسألة سياسية بل هي ظاهرة مرضية. التشبيه بالمرض يجر الى التشبيه بالوسائل الخاصة باستئصال المرض: عملية جراحية. لا مجال لعملية جراحية في هذا المجال. هناك إمكانية واحدة وهي الاستئصال. كيف جرى التدخل في سوريا، في حمص والقصير وغيرهما؟ لم يكن الأمر عملية سياسية، بل عملية جراحية استئصالية. المرض متفشِ. اجتمع جميع “أطباء” العالم لاستئصال المرض. أطباء العالم في هذه الحالة هم الجيوش، جيوش النظام العالمي وأذرعته. مهما كانت المبررات إلا أن الظواهر الدينية لمسألة سياسية اعتبرت أمراضاً متفشية معدية. يجب استئصالها في الحال، دون تشخيص، ودون اعتبار لما يمكن أن يشكّل حواراً أو استشارة طبية. هناك مرض عضال متفش وهذا يجب أن يُستأصل. الاستئصال عملية جراحية يمكن أن تؤدي طبيا في الجسد الى القضاء على الجسد كله دون مبرر. هكذا تكون حرب الإبادة؛ حرب استئصال. من ليس مثلهم فهو مريض، وعلى المرض أن يُستأصل. المرض ديني-ثقافي. فليكن استئصال البيئة الدينية. إذا لم يتم استئصال الحاضنة، يمكن للمرض أن يتفشى. أطباء المجتمع لا يعرفون شيئاً عن المجتمع. يتعاطون معه وكأنه جسم مريض. لا يعرفون شيئاً عن السياسة. السياسة علم، فن، مناورة، نقاش، وحوار، بين أشخاص أو كيانات يفترض أن تكون صحيحة “سليمة الجسد”. هؤلاء لا يمكن النقاش أو الحوار معهم. يجب معالجتهم. هم مرضى داعش أو القاعدة. صحيح أن داعش أو القاعدة، حتى لو افترضنا أنهما من الأمراض التي تصيب جزءاً من المجتمع، أو من الأمراض التي أدخلت الى المجتمع بطرق تستدعي الاستشباه، إلا أن المعالجة لا تكون إلا بالاستئصال؛ استئصال البيئة كي لا يتفشى المرض.
المهاجرون، المهجرون، المطرودون، جحافل البؤساء الذين يهيمون في الأرض، وطنهم يرفضهم، والأوطان التي يتجهون إليها ترفضهم؛ هؤلاء مرضى. المرض الذي يصاحبهم يتفشى. الكورونا نتيجة لا سبب.
لا يعرفون أو لا يريدون أن يعرفوا أن الظاهرة المرضية في المجتمع هي عوارض بؤس النظام السياسي. لم يتجهوا الى معالجة النظام السياسي. اتجهوا الى معالجة مرض وهو التفشي الداعشي والقاعدي. لم يعرفوا أن التفشي ظاهرة لمرض آخر في النظام السياسي. كان اجتماع واجماع القوى المحلية والدولية حول “أمراض المجتمع”، “المجتمع المريض”، والمجتمع المصاب بأمراض تضاهي السرطان والكورونا. على أكثرية المجتمع أن تُحشر في الكرنتينا. وهي في هذه الحالة قائمة في الخارج. الكرنتينا في الداخل هي قتل المصاب ليس إلا.
البدن الصحيح في هذه الحالة هو النيوليبرالية
الأميركية، والنيوليبرالية الروسية زائد الاستبداد، والغلو الديني في ايران،
والاستبداد في سوريا وتركيا، والغلو الديني في تركيا. جميع أنواع الاستبداد والهزء
والسخرية بالبشر. لا مانع أن يباع ملايين البشر ويُشترون في سوق نخاسة الفاشية
الأوروبية والنيوليبرالية والاستبداد والغلو الديني. كل هذه التعابير، وان اختلفت،
اجتمعت في حلف واحد ضد بدن أو جسم اعتبروه مريضاً حين أراد الحرية. يجري الاستئصال
بأساليب بيولوجية تذكّر بما حدث في ألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.
باختصار فتح أردوغان باب العبودية والعنصرية على مصراعيه. كلاهما يشمله هو
والأوروبيين والأميركيين والروس. جميعهم يتاجرون بهذه المادة الحية الميتة. لا بدّ
من التفكير بملايين البشر الأحياء الذين طردتهم الحرب من بلادهم. لا بدّ من
التفكير في مآسيهم، وهي كثيرة ومؤلمة. كأننا نفايات. وكأن المصير العربي هو الى
مزبلة التاريخ.
ضعف
العرب ناتج عن أن دولهم ليست لهم. دولهم مرهونة لقوى خارجية ترى مصلحتها في الحرب
على العرب؛ حرب إبادة ضدهم. لا زال مطلب الناس هو الدولة، لا الإعمار، أو إعادة
الإعمار، دون دولة. بناء الدولة لا يستقيم دون تغيير جذري في نظامها. بالسياسة
تبنى الدول لا بالتهجير الذي يقود الى بيع وشراء المهجرين المطرودين بصفقات تُعقد
بين أردوغان وأوروبا. إذا كان الطاغية قد انتصر، والأمر يبدو كذلك، فإن مهمته هي
بناء الدولة للناس وللمجتمع، لا للروس والايرانيين. شروط الدولة ليست ما نراها
حالياً. ما نراه الآن هو استعمار من نوع آخر. ما يتمناه المرء هو أن تكون الحرب
بين القوى الخارجية، ولو كانوا على أرض سوريا، وليس