السياسة عندما تسيطر على العلم والدين
لا بدّ من السياسة لإدارة المجتمع. لا بدّ من العلم لتلبية الفضول عند البشر لمعرفة العالم الذي نعيش فيه. لا بدّ من التقنيات كي نستخدم نظريات العلم في صنع أشياء تنفعنا. لا بدّ من الإيمان كي نرتاح الى صلة مع كائن أعلى نعتقد أنه أصل الخليقة. نحترم الدين لأن كثيراً من الناس يعتقدون بجدواه، رغم أننا نخالفهم الرأي. المجتمع يكتسب قوته وتماسكه وقدرته على المقاومة الكلية والتحرر الكلي بالعلم لا بالدين. المجتمع المنتج المتماسك لا يصير كذلك إلا بالعلم. يجرنا الدين واختلافات المعتقدات الى حروب أهلية. الاختلافات العلمية تبقى نقاشاً في مختبرات مؤسسات علمية. لا يشكل العلم خطراً إلا عندما تصادره الرأسمالية وتصنع بواسطته أسلحة لإبادة البشرية. لا تصير التقنيات خطراً إلا عندما تصادرها الرأسمالية لتصنع منها أدوات وسلع لا تلزم للحياة البشرية.
من صفات النيوليبرالية بناء مجتمع استهلاكي، يكون فيه الاستهلاك غاية: الاستهلاك في سبيل الاستهلاك. يستخدم العلم لابتداع تقنيات جديدة وإنتاج ما لا يلزم. البشرية محدودة العدد. تتسع الكرة الأرضية لعدة أضعاف عدد سكان الأرض الحاليين. الهدر في موارد الأرض في سبيل الاستهلاك يفوق حاجات الانسان بكثير. تحويل هذه الموارد الى سلع للاستهلاك هو ما يشكّل خطراً بيئياً. المشكلة ليست في العلم أو التكنولوجيا بل في سيطرة الرأسمالية على العلم لإنتاج التقنية، وعلى التقنية لإنتاج لزوم ما لا يلزم وعلى الدين لتبرير كل ذلك.
للرأسمالية حدود. الأرض متناهية. تناقض الرأسمالية الداخلي هو في توهم أن المحدود الذي على الأرض يمكن أن يصير بين يديها لا محدوداً. أزمة الكورونا فيروس تعبّر عن هذا التناقض. ابتدعت التضخم المالي والبورصات لكي تصير مراكمة الثروات لا متناهية. المشكلة ليست محدودية الأرض وكثرة السكان خاصة الهرمين منهم. المشكلة هي خيارات الرأسمالية عندما سيطرت على الكرة الأرضية، فجعلت لها أولويات ليس بينها الانسان. لا بد أن تنتهي الرأسمالية كما بدأت منذ خمسة قرون، وقد لاحت نهايتها.المجتمع الجديد لا بدّ أن تكون غايته الانسان وحاجاته. كثيراً مما تنتجه الرأسمالية حاليا لا يدخل في باب الحاجات غير الضرورية. معظم الاستهلاك هو لحاجات غير ضرورية. إدارة المجتمع بعد الرأسمالية أمر ضروري. علاقات اجتماعية جديدة تستخدم العلم والتقنية وتتسامح مع الإيمان والدين. تأخر العلم في إيجاد دواء ولقاح للكورونا فيروس هو وصمة عار. السبب هو أن البحث العلمي لا يحدث دون تمويل؛ وهذا تقبض عليه شركات كبرى. الرأسمالية لا تهتم لمصير الانسان بل لمراكمة الثروات. منع الأوبئة كان ممكناً لو تم إنفاق قليل من الثروات المتراكمة، نتيجة عمل الانسان المحروم منها، على البحث العلمي من أجل هذا الهدف.
تصغي البشرية الآن للعلماء. في غياب الوباء عندما كانت الأحوال “طبيعية”، كان العلماء مجرد أجراء في مراكز البحوث. أزمة الوجود الانساني دفعتهم الى صدارة النقاش. ما كانت البشرية وصلت الى ما وصلت إليه لو كان العلم ليس مجرد سلعة بل جزءاً أساسياً من النقاش الاقتصادي-السياسي في العالم؛ أي لو كان النقاش السياسي-الاجتماعي مسموحاً له أن يشمل جميع نواحي الحياة، وجميع فروع العلم، في سبيل استخدام العلم لصالح الانسان. لو كانت الرأسمالية تسمح للانسان أن يناقش حياته ويديرها في آن معاً. يُسمى ذلك اشتراكية أو شيوعية، أو تسمية أخرى، لا مانع.
من أجل البقاء الانساني لا يمكن أن يبقى العلم سلعة بل أن يصير في صلب النقاش السياسي. تأخر بل تخلّف المجتمعات السياسية يعود الى أن الدين لا العلم هو في صلب النقاش السياسي. في معظم هذه المجتمعات يختفي كل نقاش بسبب الاستبداد. وتختفي السياسة. يفقد الدين احترامه لنفسه عندما يخضع لاستبداد ما بقي له إلا استخدام دعم الدين كي يسيطر على العامة. يتصاعد الدين في ذهن الناس. يتعلقون بنظريات الخلاص. يتوسع الدين في وعيهم. يصير صعبا الانتقال نحو الديمقراطية حتى ولو حدثت الثورة ضد الاستبداد. الدين في صلب الثورة المضادة التي يستعملها ويستغلها الطغاة ضد تقدم المجتمع بعد الثورة. مرة أخرى، ليست المشكلة في الدين ذاته، بل هي في الحيّز الذي يحتله الدين في وعي المجتمع. البعض يعتبر أن الأولوية هي للتجديد الديني، وأنا كنت منهم. هذه فكرة يجب التخلي عنها. لا جدوى من تجديد أنفسنا بأفكار جديدة. يجدد الدين نفسه بثياب جديدة وأفكار قديمة. وكأننا لا نريد الخروج من المعلوم الى حالة جديدة إلا بعد أن نعرف مسبقاً المعلوم الجديد الذي نريد الانتقال إليه. المطلوب الانتقال الى جديد هو المجهول. التحوّل من معلوم الى مجهول، مما نعرف الى ما لا نعرف هو الأمر المجدي. السؤال، الشك، المغامرة، هذا ما يصنع تجديداً في المجتمع. ليس أن نطلب مرضاة الله بطرق ووسائل أخرى، بل أن نغيّر علاقة الخالق والمخلوق. أن نجعل الانسان مركز الكون دون غيره. هذا الأمر يتطلّب الخروج على المألوف؛ إذا احتاج الأمر الى الكفر به، خاصة إذا كان السؤال كفر. لا هم إذا كان الكفر توسّع السؤال. المهم أن تنتقل الروح من عقل مستريح الى ما لا يريح.
على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي……….أُوَجّهُها جَنُوباً أوْ شَمَالاً
لا تتحرّك الروح، ولا تنتج، ولا تتقدم، ولا تستحق التوجيه، بل لا يستحق الوجود إذا لم تكن وعياً روحياً يملأه القلق والتساؤل والشك والرغبة في المجهول. خروج من واقعية مملة نكرر فيها أنفسنا وتراثنا الى طوباوية نصنع فيها مستقبلاً يجعلنا قابلين وقادرين على احترام الذات.
ليس في مجتمعاتنا قلق. نحن “خير أمة أخرجت للناس”. الله يرضى عنا، ونحن قابلون بذلك، أو فلنقل نحن راضون عنه. هو يعطينا ما يغذي الرضى بالذات، ونحن نعطيه عبادة لا هي بالإيمان ولا هي بعدمه. ليس الله فينا ولسنا فيه. هو كائن غريب. نسترضيه فيرضى. هو يرضى حسب ما نحن نريد. كأنه يعمل لدينا. ذات قانعة بما لديها، مستكبرة عما عداها، ضاع مستقبلها، فاصطنعت ماضٍ للتفاخر به. ما زالت تسكن في الماضي الضائع. خلافات الماضي تعنيها أكثر من خلافات الحاضر. حاضرها يُبنى على الماضي. كأن التاريخ لم يكن. عجزنا عن التوحد، فعجزنا عن صناعة التاريخ، أو فلنقل عجزنا عن اختراع التاريخ. من لا يصطنع تاريخاً لا يصطنع مستقبلاً. كتبنا التراثية إعادات وتكرار لما حدث. حدثنا فلان عن فلان. لا يهمنا إلا الحديث متحولاً أو متواتراً. هو حديث وحسب. ماض يجب أن يُحتذى، لا مستقبلاً يجب أن يُصنع. لا ضرورة للتجريبية عندنا. نحن واثقون مما جرى ويجري وسوف يجري. “لا يصيبكم إلا ما كتب الله لكم”. أما “إعقل وتوكل” فهذا أمر منسي. “إن لله رجالاً إذا أرادوا أراد” فهو قول مستهجن.
العلم يكون بالتجريبية. هي أن نجرّب شيئاً، نفحصه، نضعه تحت المجهر. نجري عليه الفحوصات. نفرح عندما نكتشف أننا كنا على خطأ. نبدأ تجارب أخرى. نصل الى استنتاجات غير ما كان سائداً. نفرح أن لدينا سيادة وانتشاراً لعلم جديد. نفرح بما كان مجهولاً. نسر لرمي المعلوم سابقاً في سلات المهملات. القول بأن “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الخصم خطأ يحتمل الصواب” لم يعد ذا قيمة. أنا لا أقول إلا ما يريدني الله أن أقول؛ فأنا ناطق باسمه. روحي تعبير عما يريد. ليست الروح دافعاً الى الاقتحام، اقتحام المجهول. ليس اقتحاماً الركود في المعلوم وفي ما هو مشتق من معرفة سابقة. الثورة نقض للمعرفة السابقة. الثورة عندنا تأكيد للمعرفة السابقة، إذا حصلت، مع قلب النظام السياسي. لم يعد لدينا أبواب في الترجيح، وكل كتب الأصول في قدمنا تؤكد على الترجيح لا على التأكيد، ولا على الحقيقة المطلقة. عالمنا يتشكّل من حقائق نسبية. من يمتلك الحقيقة المطلقة فعقله مستريح، مسترخ، غير مشدود ولا مشدوه. لا يثيره السؤال، ولا يستهويه الشك. العلم الحديث هو كل ذلك. كأننا لم نكن أهل شك وقلق قبل عصر النهضة الأوروبية وقبل العقل الحديث. نقدس التراث ولا نعرف أننا نخالفه تماماً. نحن غير ما كنا عليه، وليتنا نكون كما كنا في الهيام بالعلم والشك والتساؤل والتجريبية. نريد أن نكون حسب صورة راهنة، أصولية كاذبة، مراوغة في إيمانها. صورة راهنة لا يرضى بها إلا الكسول الخانع القانع بهزيمته.
هذا النقاش والشك تنقله السياسة الى النقاش والحوار حول العلم في كل المجتمع، يعني تعميم المنهج العلمي على المجتمع. كل شيء يخضع للاختبار والفحص. ليس عند النخبة العلمية أسرار. توسيع قيمة المعرفة تحل مكان المال كالقيمة الوحيدة في المجتمع. تعميم المعرفة هو الديمقراطية. تعميم الجهل أو حصر العلم بأقلية متميزة هو الاستبداد. عندما ينفتح النقاش في المجتمع فسيشمل الاقتصاد والسياسات والعلوم الانسانية والعلوم المادية. على رجال الدين أن ينخرطوا في هذا الحوار. عندما يضيق المجال الديني يتسع المجال للمواضيع العلمية المطروحة في الساحة العامة. لا يقتصر أمر السياسة على “الخبراء” سواء كانوا مرجعيات دينية أو سياسية. تقوم الأحزاب الدينية بحصر العلم الديني والعلم الحديث بمرجعيات دينية وعلمية. بالطبع سيكون هناك أناس مميزون في المجتمع. لكن المجتمع سيكون مفتوحاً للنقاش والحوار والتجربة والشك لإعطاء الفرصة لمن يحق له أن يتميّز. هذه هي الروح المستقبلية. لا مانع من حلول الروح المستقبلية مكان الواقعية. الطوباوية هي الروح المستقبلية. معنى الواقعية هو الاستسلام للواقع. معنى الطوباوية هو أن يوجد عند المجتمع رؤية حول المستقبل أو خطة عمل لتحقيق مستقبل يكون غير واقع الاستسلام. لا يُبنى العقل إلا بالتحرر مما يكبله.
لا بدّ أن يشمل النضال السياسي نضالاً معرفيا يكون العلم أساسياً فيه. بالطبع، رجال الدين يرفضون دخول العامة الى عرينهم. لكن ما عندهم سوف يخرج الى العلن ولن يبقى العلم محصوراً في مدارس وحوزات دينية. سيكون الدين جزءاً مهماً من البرنامج الدراسي. ستكون كل نظرية مطروحة للبحث. سيكون كل مذهب مطروحاً للبحث لدى أتباعه وغيرهم. هكذا يصير التسامح الديني في المجتمع. يكون على الأقل موازياً، بالأحرى مساوياً، للتسامح العلمي. أنت لا تقاتل من أجل نيوتن. سوف يعوّدك هذا النقاش أن لا تقاتل من أجل وليّ أو قديس. تُنتزع هكذا القداسة من الأديان. يبقى الإيمان الصادق مجرداً من الطقوس. هذه الطقوس تتحوّل الى احتفاليات يشارك الناس في مشاهدتها لا المشاركة فيها، وكأنهم يدافعون عن الشهيد مهما بلغت قداسته. تميل القداسة الى التواضع. تنزل من عليائها.
هذا الاتجاه العلمي لا يعني أن ينتظم المجتمع “علمياً”. معروف خطر “الاشتراكية العلمية”. كانت طريقاً للاستبداد. صارت الاشتراكية وكأنها دين. من يخالف العقيدة العلمية يُعد منحرفاً عن عقيدة رسمية. هناك فقط معرفة منتهكة قداستها. لا شيء مقدساً إلا عند من يريده. كل المقدسات محالة للدرس. كل درس محال للسؤال والتمحيص. السياسة في جزء منها تنافس على السلطة، لكنها في معظمها نقاش لاكتساب المعرفة. العلم كما الدين كما الاقتصاد جزء من السياسة في الساحة العامة، تحت مجهر البحث والتمحيص، عرضة للشك والتجاوز. لا يذهب الناس لاستشارة مرجعياتهم السياسية أو الدينية أو العلمية. يدعون كل هؤلاء للنقاش والحوار. كل شيء مطروح على التصويت. الإلحاد بطبيعته سلبي. لا يقود الى معرفة. المعرفة تقود بالضرورة الى إلغاء الإلحاد والتعصّب الديني. العلمانية غير واردة في هذا المجتمع. لا فصل بين الدين والعلم أو بين الدين والسياسة. كل هذه الأمور مطروحة للبحث. العقل البشري نفسه مطروح للبحث. ليست العقلانية مذهباً جديداً. هي جزء من السياسة. جزء من البحث. ليحمل كل واحد أو كل فريق عدته المعرفية في سوق البحث والتبادل، وليحافظ كل واحد من المشاركين على الجزء الذي يريده للإيمان. لا يكون الإيمان صادقاً إلا بذلك. شرط الإيمان هو الصدق. الصدق شرط الأخلاق. تعود الأخلاق الى السياسة والدين والعلم.
أساس العلم، بل وجميع المعرفة، هو الجهل. اقتحام المجهول يحدد مستويات المعرفة سواء كانت تتعلّق بالسياسات أو بالعلم أو بالدين. نتطلّع الى هذا الكون نرى أن ما لا نعرفه أكثر بكثير مما نعرف. السعي الى المعرفة أساس لهذا المجتمع. يستوي فيه العلم والدين في السعي للمعرفة. نزع القداسة إلا عن الانسان ككل. الانسانية التي تشمل كل البشر. تحقيق أهداف الدين لا يكون إلا بالعلم، بالاكتشاف العلمي. الاكتشاف اقتحام المجهول. يكرّس كل شيء في سبيل الانسان. يخرج المجتمع من الحرب، من تكريس الناس لخدمة قضايا كبرى لا يعرفونها. السعي للمعرفة بجميع أشكالها، الدينية والعلمية والسياسية، يكون طريقا للتحرر ولدرء الحرب. لا حرب إلا مع ما نعرف أنه معادِ للانسانية، مُضر بها، ومهدد لمستقبلها. لا يشكل ذلك خطراً على الدين، بل يعيده الى المجتمع بعد أن أخرج ليصير مقتصراً على خبراء الدين، أي المشايخ وأصحاب العمامات.
نعيش في مجتمعات تشكّل فيها الأديان، وخاصة المذاهب، دوائر مغلقة. والعلوم دوائر مغلقة. في كل منها يسيطر جماعة من الخبراء الذين لا شك في ذكائهم ومعرفتهم. المشكلة مع الخبراء، سواء خبراء العلم أو الدين، أن المعرفة، سواء كانت صحيحة أو خاطئة، تبقى حكراً على هؤلاء الخبراء. على العامة أن يرجعوا الى هؤلاء الخبراء. والخبراء يشكلون مرجعيات لهم. تتخلى العامة عن العقل الذي يحاسب وتتحوّل الى العقل المستريح، لأن هناك من يفكّر عنها. ومن يفكّر عنها يصادر السلطة على العقل أو الوعي. يفترض الخبراء، الدينيون والعلميون، أن العامة لا عقل لها وإن لا مهمة لها سوى أن تصغي وتخضع لمن يعرف أكثر منها، بالأحرى لمن يحتكر المعرفة. لا تقل الديكتاتورية المعرفية استبدادا عن استبداد النظام السياسي. في الغالب تكون استبدادية المعرفة بؤرة للجهل كما حصل في الاتحاد السوفياتي أيام ستالين، عندما تبنى الواقعية، ورفض الجاز والموسيقى البوب وأفكار المهتمين بالمسألة الزرعية وكل الليبراليين ذوى الميول اليسارية الذين لم يتقيدوا بحرفية العقيدة السوفياتية التي حولت العلم الى دين.
تخلو بلادنا خلواً شبه كامل من مراكز البحوث. كأن ذلك ممنوع. تبقى البحوث العلمية فردية بعكس الدينية حيث تكثر الجامعات ومراكز البحوث الدينية. كأنه يراد لنا أن تبقى ساحاتنا يسودها الدين والنقاش الديني. يُراد إخلاء المجتمع العربي من مراكز البحث العلمي ومن الحوار العلمي كافة. تحوز الجامعات، والمدارس الدينية، على عطف السلطات وتسود في برامجها التفاهات التي تؤدي الى مختلف أصناف الأصولية وتنوعاتها. فكأنه يُراد لهذه البلاد أن تغرق في الدين المغلق والحروب الأهلية. وكل حرب أهلية في المنطقة مصدرها السلطة. وكل أصولية في المنطقة مصدرها الاستبداد. الاستبداد يخلق الأصوليات وتنظيمات المتطرفين دينياً. كيف لا؟ وكل نظام يدعي الحرص على الأقليات في وجه الأكثريات المتطرفة التي كان هو سبباً في خلقها. كل من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة لا يريد أن يرحل بينما يحاول جاهداً خلق الإرهاب المذهبي ليجد له دعما لدى هذا الطرف الغربي أو ذاك.
أساس المشكلة في بلادنا هو قمع السياسة. الاستبداد المنتشر في بلادنا يلغي السياسة. سياسات السلطة تهمل العلم، لأن هذا يتناقض في أسسه النظرية مع وجودها، ومع وجود جحافل المثقفين التابعين للسلطة. هي بالطبع تكره العلم ومآلاته. والسلطة تتبنى الدين بشكل أو بآخر رغم مظاهر العلمانية والحداثة. مرادها أن تبقى العامة على ما هي عليه، بل أن تتراجع خطوات الى الوراء. ما انتهينا إليه هو وضع ثقافي بنته وشيدته سلطة الاستبداد. عودة السياسة لا بد أن تتزامن مع انتشار البحث والوعي العلميين، علّ ذلك أن يؤدي الى الحد من تغوّل الدين. لا بد للدولة ولو اصطنعت موقف الحياة من أن تلعب دورا في ذلك. على الأقل يمكنها أن تخفف من دعمها للتطرف الديني ناهيك عن مركزية وانتشار البحث في الدين.
في النهاية مطلوب أن تتحكم السياسة بالعلم والدين.
مقاله رائعه توصف محنه العقل العربي وتفتح العقول على طريق إستنهاض الأمه.