الفساد ١ – النظام النيوليبرالي وتداعياته
تتقدم جحافل الرساميل الكبرى. تزداد الهوة بينهم وبين بقية الناس في المداخيل والثروة. يزداد الفقير فقراً. يزداد الغني ثروة. يقل عدد الأغنياء ليعد بالألاف. يكثر عدد الفقراء ليصير بالمليارات من السكان. تأخذ المسألة بعداً أخلاقياً غير مسبوق؛ إذا يُذبح الملايين من الفقراء على مذبح الفقر التي لا يملكون منها شيئاً. تدرك البورجوازية الكبرى حول العالم أنها أفلست أخلاقياً. حاولت التعويض عن إفلاسها السياسي بإدعاء الأخلاق وجمعيات الإحسان وحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية. كل تلك وغيرها من المؤسسات الممهورة بأسماء كبار أصحاب المليارات تحمل أسماءهم. يستعينون بإنشاء جمعيات من هذا النوع لإلباس أنفسهم مسوحاً أخلاقياً لا يمت إليهم بصلة. يعرفون أن ما تراكم لديهم هو تعبير واضح عن الفساد الأكبر. كالعادة يخلطون التعابير في سبيل التعمية. قضايا الفساد غير مفهومة كأحداث تحصل في العتم. وحسابات في جزر نائية. الحسابات معظم الأحيان مشفرة كي لا يعرف أحد مالكيها. يستحيل كشف حساباتهم. يتهربون من الضرائب بسهولة. وحدهم الفقراء يدفعون معظم الضرائب. أصحاب الثروات يقررون سياسات دولتهم. وهذه تموّل نفسها من جيوب الفقراء لا أصحاب الثروات الكبرى الذين ينهبون ولا يدفعون للدولة. هذه تنهب الفقراء ولا يستفيدون من خدمات الدولة التي لا تهتم بهم عادة. الدولة بالإجمال يمولها الفقراء وينهبها الأغنياء. الأموال يمكن تهريبها بسهولة. الدولة التي تطيع البورجوازية الكبرى ومؤسسات النقد الدولية تهرّب منها الأموال فجأة فتقع في ضائقة مالية. تفلّس أو تنهار. يثور الناس وينتفضون. تمارس الدولة القمع بأشكاله المتعددة. على الجميع بما في ذلك الدولة وأجهزتها أن تمتثل للبورجوازية الكبرى، وإلا… الذين يُقمعون عادة هم الفقراء والبورجوازيات الوسطى والصغرى التي ترى وضعها ينهار أو يتراجع يومياً. هو عصر النيوليبرالية. تُدجّن الجماهير بالدين ويُقمع من لا يُدجّن. نظام عالمي يخدم الدين فيه هذه النيوليبرالية العالمية. ظاهرة عالمية: انتفاضات أو ثورات تعم العالم. تسميه البورجوازية الكبرى عصر فوضى. لا يمكن ضبطه إلا بالقوة العسكرية والعنف والقمع. الديمقراطية مسموحة بحدود تحت سقوف معينة، أما عندما تصبح الديمقراطية مؤذية، أي جدية ذات مطالب وحركات وراء هذه المطالب، في أي بلد في العالم، فإنّ قوى القمع جاهزة. النيوليبرالية نظام للثروات المالية الكبرى. الأصوليات الدينية ضرورية للتدجين. جمعيات الإحسان وحقوق الانسان جاهزة للتبرير (في حدود معينة طبعاً). القوى العسكرية هي الملاذ الأخير. إثارة الإثنيات والعصبيات الدينية والقومية وسيلة ناجعة. العصبيات تفوق في هذا العصر سابقاتها. فاشيات مقنّعة؛ وأحيانا تكشف عن وجهها بكل صفاقة. لا تستطيع النيوليبرالية، أي الرساميل الكبرى، أن تستمر دون أنواع الفاشية. الأديان أشكال من الفاشية. تسمي نفسها هويات. هويات ثقافية تديرها الرأسمالية.
تخترع النيوليبرالية ايديولوجيات بأشكال جديدة. مثل الأصولية الدينية والقومية والإثنية والفاشية. كلها تصب في أن من يمتلك المال يمتلك الحقيقة. ومن يمتلك الحقيقة يجب أن يدافع عنها أولاً، ويقنع الآخرين بها. هذا منطق الهداية أو التبليغ. وأن لم ينضم الآخرالى هذه الهوية، فهو ليس منا. هو آخر يستحق القتال أو الإقناع القسري. الآخر على العموم مرذول. الرأسمال المالي-الرأسمالية المتأخرة هي قمة التطوّر البشري. هو نهاية التاريخ. بهذا النظام ينتهي التاريخ. على العالم أن يتحاربوا من أجل انتصار الأفضل. نهاية التاريخ تؤدي الى ديمقراطية عند بعض سكان البشرية. لكنها تؤدي الى حروب عند البعض الآخر، والى فوضى عند الجميع. تميل الديمقراطية الى الفاشية في البلدان المتقدمة صناعياً (مالياً) والى الأصولية في البلدان المتأخرة. لا تستطيع الرأسمالية في عصرها المتأخر (النيوليبرالية أو سيطرة الرأسمال المالي) إلا الاعتماد على الفوضى، أو إثارتها، كي تضبط شعوبها. هي نظام عالمي (أممي) لكن هذا النظام يتشكّل من دول لديها أسباب القوة لإثارة الفوضى. يجتمع القمع الشديد مع الديمقراطية. الديمقراطية مطلب الناس، ومكتسب لا يتخلى عنه الناس بسهولة. والسلطات مضطرة للانحناء أمامه، لكنها في نفس الوقت مضطرة للدوران حوله وحول المكتسبات المادية. بعد أن جُردت الطبقات الوسطى أو الدنيا مما لديها، أو هي في طريقها الى ذلك، لا بدّ من الحفاظ على ديمقراطية شكلية ذات محتوى عنصري فاشي.
الرأسمالية نظام للنهب والنصب والمصادرة والسرقة. هي ليست نظاماً أخلاقياً للعمل وقيمته. هي ما يزرع في الانسان الأنانية، وتقديم فردية الانسان على المجتمع والدولة. المعرفة في زمن النيوليبرالية قوامها المعلومات. كثير من المعلومات وقليل من الربط بينها، وقليل من الذاكرة. اعتماد على مكنة الجيب التي يحمل فيها كل منا كل المعلومات حتى الشعر والقواميس. مجتمع يجد لذة بما يرى، دون لذة بما يقرأ. تُسطّح النيوليبرالية المعرفة. ومع تسليع المشاعر، يخلو الانسان من مشاعر الحب والعطف للآخرين. يتفكفك المجتمع. كلهم فقراء يسعون وراء العيش. كل منهم يسعى لنفسه. هو قانون الغاب. فُقدت النقابات. لم تعد هذه تحوي سوى قلة من العاملين. على كل حال معظم الصناعات صودرت الى حيث الأجور رخيصة والنقابات ممنوعة، في بلدان العالم الثالث الذي ينهض بعضه بسبب القمع والعبودية الجديدة عن طريق منع النقابات.
في الرأسمالية المتأخرة (أولوية المال على الصناعة والزراعة والخدمات) يجري اختصار الحديث بين البشر. يضمحل الحوار. جمل متقطعة تجري بين المشتركين. يكتفي أو يضطر أن يكتفي كل منهم بما قلّ وما لا يدل من الكلام. لم يعد مألوفاً أن يتحدث الناس في الشأن العام (السياسة) أو في الفلسفة والنظرية. يتحدثون مع ماكينة الكومبيوتر سواء كانت الهاتف أو لوحة الكومبيوتر أو اللابتوب. الجهاز الذي تحمله يحمل المعلومات عنك وعليك. تطلّع على المعلومات لكن الأخ الأكبر يجمع المعلومات عنك. هو جهاز اتصال أو تواصل باتجاهين. باتجاهك وباتجاه الغرفة السوداء. تستطيع الغرفة السوداء أن تقرر عن طريق الحقائق والحقائق البديلة، وعن طريق الوقائع والوقائع الافتراضية، تغيير ما في عقول الناس، وتقرر اتجاه الانتخابات الديمقراطية حتى في البلدان المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة. يفقد الواحد منا خصوصيته. تتسلّع نفسه. يتشلّع ضميره. تختفي الأخلاق. لا يبقى من الضمير سوى معلومات الماكينة وعصبيات في الدماغ، بعد فقدان القدرة على الربط بين الأحداث وفقدان الصلات بين الناس، وإلغاء التعاطف مع الآخرين.
حين فقد المال علاقته بالإنتاج، فقدت المعلومة علاقتها بالمعرفة، وفقد الفعل علاقته بالأخلاق. لم يعد الإنتاج ينتج إلا قليلاً من المال، المال هو ما ينتج الكثير من المال. ولم تعد المعلومة تنتج المعرفة، ولم يعد الضمير مصدر الفعل، ولا العقل مصدر التفكير. يرتد الانسان الى ما عنده من ايديولوجيا وهوية ودين. يصير أصولياً وفاشياً في طريقه الى العمل النازي عند البيض في البلدان المتقدمة، وتناحر الاثنيات في البلدان المتأخرة. تفقد الدولة معناها، وتصير غير ضرورية. نظام عالمي قوامه الرأسمالية الجديدة التي تدير العالم. الشعوب أدوات عند من يمثلونها. لم يعد صندوق النقد الدولي (IMF) ولا البنك الدولي (World Bank) ولا منظمة التجارة الدولية (WTO) مصادر القرار الدولي. القرار في دايفوس حيث يجتمع سنوياً أصحاب الثروات الكبرى ويقررون مسار العالم.
هؤلاء الرأسماليون الماليون الكبار يتابعون مصادرة المشاعات وأملاك الدولة لتحويلها الى ملكية خاصة، ويتابعون تكديس الثروات والقطع النفيسة، ويمولون المنظمات غير الحكومية ويسيطرون على الثقافة العالمية؛ يتغلغلون بايديولوجيتهم في عقول الناس. يقررون تفكير الناس، بالأحرى يضعون الأسس للكيفية التي يتخذ بها الناس قراراتهم لدعم البورجوازية الكبرى العالمية. ثقافة جديدة تنشأ لصالح هذه البورجوازية. يخضع الناس لجلاديهم. يحاربون من أجل قادتهم الذين يمثلون الرساميل الكبرى. تدفعهم العصبيات القومية والدينية لذلك. تجيد الرأسمالية الكبرى تجنيد هذه العصبيات. هي التي تنتج داعش وعنصرية الرجل الأبيض والتطرّف الشيعي؛ ولا تصنعها الثقافات الموروثة. تزول هذه الثقافات ولا يبقى منها إلا ما يفيد النظام العالمي الذي يستثمرها مع أموالها. يودعها، أي ايديولوجيا العصبيات الفاشية، لدى الشعب كما يودع أمواله في الجزر البعيدة، على أساس أن عدة العمل لديه في الدول المعنية هي ما تبقى في ذاكرة الشعوب وما تبقى من أموال الفقراء. هؤلاء الفقراء يذبحون بعضهم البعض لقاء فتات المال وفتات التراث وما يشكل بقايا الفكر البشري. فوضى كاملة في العالم في عصر الرأسمال المالي الجديد. ثورات تعم العالم. قمع يعم العالم. تعود الأنظمة العسكرية والأصولية الى عالمنا الثالث. تسيطر العنصرية والديمقراطية في البلدان المتقدمة. نهوض النظام الصيني هو أداة لهذا النظام العالمي. يشتغل عندهم. يقمع شعبه، يخفّض الأجور. يمنع النقابات. يلغي الحوار. بالنهاية هو عدة الشغل عند النظام العالمي. ما يُسمى تطهيرا عنصرياً، وحرباً أهلية، وقتل المقيمين على دين غير دين السلطة، وتهجير المقيمين، وقتل المهاجرين غير القيمين، كله موجود في الصين التي تمثّل النهوض الاقتصادي الجديد بل نموذج هذا النهوض.
هذا كله لا يمنع الثورات. هذه تعم العالم. يثور الناس بعقولهم وقلوبهم، بالأحرى يثورون بما تبقى لديهم منها بعد أن شلعتها وسلختها الرأسمالية العالمية. يثورون ضمن حدود بلادهم والرأسمالية العالمية، بما فيها منظمة حقوق الانسان. إرهاب الدولة هو المسيطر في العالم. إرهاب الأشخاص هو للتعمية. يجب أن يكون الأشخاص من ثقافات أخرى غير غربية. هم دائماً حجة لإدانة مجموعات واسعة من الشعوب والدول التي لا تطيع. نظام عالمي شديد التعقيد، بسيط لمن يعزل نفسه ويفكر فيه بعقل جدلي. لذلك يجب إنتاج مثقفين سطحيين. حتى ولو كانوا معارضين أو ثوريين. تعليمهم الجامعي صار تجارياً حتى في أفضل جامعات العالم. خريجوهم هم جحافل التبرير. يهتمون بالإدارة والخصخصة وما يُسمى الاستثمار أو الدفاع عنه. دينهم الجديد. ايديولوجيا السيطرة على عقولهم وأفئدتهم.
أخلاق النظام المالي غير الأخلاق البروتستانتية.
الإنتاج ليس في البلدان الديمقراطية. في الحالتين لم يعد للضمير الفردي مكان.
تلاشت الأخلاق. نحن في غابات برية من النيوليبرالية. تحدث الثورات دون قيادات. هي
زلزال وانفجارات. عندما تفقد زخمها يبدأ القمع والتخوين والنفي والسجن والقتل بشتى
الوسائل. أزلام السلطة المحلية والعالمية جاهزون للقيام بهذه المهام بكفاءة عالية.
معظمهم جرى تدريبهم لدى المركز الامبريالي. يعرفون ماذا يطلب منهم وكيف ينفذون
جرائمهم بشكل يتفق مع متطلبات حقوق الانسان التي تراقب بدقة وتّدار بدقة أكثر.
في الميدان لحظة الجماهير. هؤلاء يستردون عقلهم وذكاءهم وقدرتهم على الفعل في
الميدان. هم يتعبون أما السلطة فلا تتعب. عندما يعودون الى حياتهم اليومية تبدأ
الأجهزة الأمنية بالشغل. بالطبع يلفقون التهم للمناضلين الحقيقيين. ويفقد هؤلاء
حياتهم أو مصدر رزقهم.
نظام عالمي قوامه الفساد: سرقة، نهب، تراكم أولي، تشليح مشاعات وأملاك عامة وخاصة، قمع، سجن الأبرياء، قطع دابر المناضلين. إشاعات تتلوها إشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي. تعمية كاملة حتى لا يُعرف المناضل من المندس أو المجرم.
الفساد في الأساس هو قضية سياسية، بالأحرى سياسية-اقتصادية، لأنه اعتداء على المال العام، وربط المال العام بالخاص. جعل المجال العام والمال العام خاصاً وملكاً للأقلية الحاكمة التي تفيض عنها الثروات. الفساد أساس نظام العالم. فيه تلاشت الأخلاق وألغيت السياسة. لم يعد ممكناً التعامل مع السلطات الحاكمة إلا بالثورة. الثورة انفجار لا يخترعها ويديرها بعض من عليها. بل هي تحصل لأن ما بقي عند الناس من حاسة الغضب والتفكير يجعلهم غير قادرين على التحمّل. إذا كان البعض يواجه بالانتحار بسبب الفقر، وهذه حالات غير مسبوقة عندنا وعند غيرنا، فإن الجماهير بمطالبها في الميادين. انقطعت سبل التواصل بين الشعب والطبقة الحاكمة، عندنا وعند غيرنا من بلدان العالم. الثورات تعم العالم. يعرف الناس أن لقمة عيشهم مهددة، ويعلمون أن وضعهم الطبقي ينهار الى طبقة أدنى، أي الى الفقر المدقع. ويعلمون أن كرامتهم مسلوبة وأن الأخلاق لم تعد ميزاناً للتعامل. ثورتهم ضد الفساد هي ثورة ضد الطبقة السياسية في بلدهم وضد النظام العالمي. ضد نظام يقوم على السرقة والنهب. ضد نظام قوامه الفساد.
الرأسمالية في نظر ماكس ويبر قامت على الأخلاق البروتستانتية أو على العمل. الرأسمالية الحالية تقوم على الراحة أو ما يُسمى الاستثمار. الفساد منظومة سياسية-اجتماعية هي الرأسمالية بعينها. هو استغلال المشترك البشري للصالح الفردي. تحكم قلة قليلة من الناس الأكثرية الغالبة. هو تحكم أساسه ملكية ثروات كبرى لدى القلة، في حين يجري إفقار الأكثرية. إفقار لا يحدث لأن أصحابه لا يليقون بالحياة الكريمة، بل لأن النظام، نظام الفساد، دفعهم قسراً نحو الفقر والعوز. الفقر هو الفساد. الفقر اصطنعته قلة بشرية تتحكّم بالنظام، وفرضته على الأكثرية. نظام قائم على السرقة والنهب والاستغلال هو الفساد. نظام فيه فقراء وجائعون هو الفساد. الفساد هو طغيان الواجبات على الحقوق. واجب الفقراء أن يخضعوا. وحق القلة من أصحاب الثروة أن يستغلوا وينهبوا. ويسمون ذلك ملكية فردية. وتصير هي عنوان الحرية التي يكفلها القانون. ليس الفقراء أحرارا في أن يكونوا فقراء. هم مجبرون على ذلك. واجبات أصحاب الثروات لا شيء إلا أن يجلب مالهم مزيداً من المال بالاستثمار دون عمل.
الدولة ضرورية لكونها الإطار الناظم للمجتمع وللمشترك الانساني. القانون ضروري في حسم النزاعات بين البشر، وداخل المجتمع، وتحديد السلوك بشكل عام. القانون وتطبيق القانون لا يحميان من الفساد. لا علاقة للدولة بالفساد. هو أمر يتعلّق بالسياسة. وهذه تتعلّق بانفتاح المجتمع. أي المجتمع المفتوح الذي يجري كل شيء فيه بالعلانية وعلى مرأى من الناس جميعاً. المجتمع المفتوح هو المجتمع السياسي، حيث تؤدي العلاقات بين البشر والحوار والنقاش الى كل قرار. وحيث لا يجري شيء في العتم. وحيث لا تتخذ القرارات، كبيرها وصغيرها، في غرف مغلقة. يناضل الناس لإسقاط النظام لا لإسقاط الدولة. إسقاط النظام يعني إلغاء العتم والظلام وطمس النقاش الحر. الدولة تعني النقاش الحر والعلانية أو ما يسمى الآن بالشفافية. الدولة لا يصيبها الفساد. النظام، أي هيراركية السلطة، هي ما يصيبها الفساد، وهي فاسدة أصلاً وحكماً. الدولة للعلانية، للمشترك البشري. النظام للعتمة، للنخب السياسية والعسكرية والثقافية، وما يتبع كل ذلك. الدولة للمجتمع المفتوح. النظام للانغلاق والعتمة والتعصّب واللاخجل مما يفكر به أصحاب العصبيات العمياء. الدولة لمن يتحدث بلغة واحدة، بخطاب واحد، في السر والعلانية. النظام والفساد لمن يتحدث بلغتين. واحدة بالعلن، وواحدة بالسر؛ واحدة لأبناء الطائفة وأخرى لأبناء الطوائف الأخرى. الفساد هو عندما يتحدث الواحد منا بلغتين أو خطابين. السياسة هي عندما يتحدث كل منا بلغة واحدة، بخطاب واحد في السر والعلانية. خطاب واحد بين أبناء الطائفة وبين أبناء الطوائف الأخرى. لا تتآمر الدولة على النظام. يتآمر النظام على الدولة. تتآمر العتمة على الوضوح. عادة لا يسرق اللص في وضح النهار بل في الليل. قرارات النظام العالمي، قرارات من يحكم النظام العالمي تتخذ في الظلام، في غرف مغلقة. لا يجرأون على إعلان ما يضمرون. هذه هو الفساد الأكبر.
الفساد الأصغر سوف نتحدث عنه في الحلقة المقبلة.