ضرورة الحرب من أجل السلام
الحرب في أوكرانيا ستكون طويلة الأمد. هكذا يقول الخبراء. الحروب في المنطقة العربية ستكون أيضاً طويلة الأمد. هكذا نشعر نحن. تلك حرب بين أبناء العمومة، أو هكذا يزعمون؛ شعوب سلافية. وهذه حرب بين الأخوة، أو هكذا يزعمون؛ شعوب عربية.
حروب السلاف فيها مزاعم من خطر أمني يهدد دولة عظمى. روسيا التي تريد أن تؤكد أنها دولة عظمى. وبالتالي فإنها لا تتسامح مع أي خطر أمني، سواء جاء من طرف الناتو أو غيره. حروب العرب يراد لها أن ينشأ من بين دولها حلفاً يشبه الناتو، لا لمواجهة خطر خارجي داهم بل ليشكّل الحلف خطراً على دولة كان بإمكان الامبراطورية الأميركية سحقها دون كثير من العناء. هي حروب موضعية وتخاض بالأسلحة التقليدية، لكن القوات التي تشارك في الساحتين متعددة الدول. وغالبيتها من أوروبا، إضافة الى الولايات المتحدة الأميركية. هي حروب شديدة الدمار والخراب والقتل والتشريد. بعض بلدان المنطقة نزح نصف سكانها سواء الى الخارج أو من منطقة الى أخرى في البلد الذي جُعل ساحة حرب.
حتى الآن لم يستخدم السلاح النووي، وإن جرى التهديد به بين الحين والآخر. وإذا استخدم سيكون الأمر مريعاً. ولا يعرف أحد إذا كان الدمار المتبادل سيتوقف عند حدود. يقال أن الاشعاعات النووية القاتلة تصيب مناطق بعيدة عن ساحات القتال.
في القرن العشرين فرضت أوروبا على البشرية حربين عالميتين. على المرء أن يختار في التعليل بين القول أنها الرأسمالية التي لا يمكن أن تستمر وتبقى دون حروب أو أنها البشرية مشروع فاشل لمدبر أحمق. لكن الأمر يضع فكرة التقدم على المحك. أكثر البلدان تقدماً تخوض هذه الحروب مباشرة أو عن طريق وكلاء لها. وفي جميع المناطق تخاض الحروب، كل الحروب، بأكثر الأسلحة تطوراً، التي أنتجتها أكثر البلدان تقدما، مما يشير أن التقدم والسلام خطان لا يلتقيان.
لم يستخدم أحد السلاح النووي سوى الولايات المتحدة الأميركية ضد اليابان عام 1945، وذلك بعد استسلامها، من أجل تحسين شروط الاستسلام، ومن أجل الإثبات أن لديها من سلاح الدمار الشامل ما ليس لدى بقية العالم. ولم يستخدم السلاح النووي أيام الحرب الباردة. ولا بعدها. رغم أن الروس هددوا بذلك، ورغم ان الامبراطورية الأميركية ردت بأنها لن تستخدمه إلا للرد على هجوم مماثل. لكن الولايات المتحدة لا تخفي نيتها في تدمير الاقتصاد الروسي. لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتنازل عن قطبيتها الواحدة، ولا أن يشاركها أحد بذلك. ولا تستطيع روسيا أن تسمح لنفسها بالهزيمة مهما حصل. لذلك طول أمد الحرب أمر حتمي أو شبه حتمي. كما يبدو المصير البشري كالح الوجه.
إن حاجة الغرب الرأسمالي الى عدو هو حاجة الرأسمالية الى الحرب نفسها. العدو ضروري لتجارة السلاح. ليس ضرورة للدفاع فقط، لأن افتراض العدو هو ما يحتّم تجارة السلاح وتدفق المال، حتى ولو كان التهديد الحقيقي غير موجود إلا بافتراضه. نحن في زمن الحقائق الافتراضية. والبشرية تعيش في زمن حيث الكثير من الأخطار التي تُصنع في سبيل تدفق المال، حتى ولو كان الخطر حقيقياً لتوليد تدمير البيئة والصحة العامة.
تحتاج البشرية الى العيش الدائم على حافة الهاوية. فكم من صناعة شرعية مدمرة وغير شرعية تشكّل ضرورة للتجارة الدولية. وكم من تجارة لمواد ممنوعة، ونشوء مدن غير شرعية، وجنات ضريبية في جزر نائية أو خارج حدود الدولة الرأسمالية، هي ضرورية لبقاء النظام العالمي من أجل تبييض العملة. والفقر ذاته ضروري لبقاء النظام الاجتماعي-السياسي. تعيش غالبية البشرية على حافة الفقر والمجاعة والإبادة. أليست المدن العشوائية البناء، دون تراخيص البناء، هي فضاءات خارج كل مدينة. وتزودها السلطات الرأسمالية بالكهرباء والماء لتبقى خارج الشرعية. اللاشرعية ضرورة للشرعية. وصناعة الموت ضرورة لوهم السلام. والحقيقة الافتراضية ضرورة للواقع الحقيقي. وعيش الرأسمالية في تخمة دائمة ضرورة لصناعة المجاعة، أو العكس. والفقر ضروري لصناعة وتجارة الثروات. كل ذلك من أجل بقاء الرأسمالية. مجد الرأسمالية جوهره الخسة والنذالة. والأخلاق قاعدة اللاأخلاق، والحرب قاعدة السلام. ومصادرة أملاك الناس قاعدة للملكية الرأسمالية، التي لا بقاء لها دون المصادرات ونزع ملكيات عامة الناس ومشاعاتها. نعرف ذلك في لبنان، وما يجري فيه مثال صارخ على ما يجري في العالم كله.
لقد افتعلت الامبراطورية الأميركية شروط حرب أوكرانيا، وتهديد بقاء البشرية المترتب على ذلك. والنظام الروسي استجاب لذلك. ويبشروننا بحقوق الإنسان. وما يسمى القانون الدولي، ووهم وجود المجتمع الدولي الذي يعبر عن عشوائية قطب النظام الدولي الذي تنازعه دولة أو دولة صاعدة تدعي العظمة ذاتها.
رغم ازدياد أعداد سكان العالم، ما تزال الأرض قادرة على إنتاج الغذاء بما يكفي لإطعام البشرية. لكن الإرهاب الغذائي يهدد البشرية بالمجاعة والفناء. ونحن العرب نعرف معنى أن نعيش خطر تهديد الحرب عند كل منعطف غير تاريخي. ألا تهددنا إسرائيل بالحرب كل بضعة أيام، وهي تملك السلاح النووي؟