التباعد الاجتماعي وتداعياته
التباعد الاجتماعي كل امرؤ لنفسه. فردية قصوى. يحتار المرء إذا كانت الحداثة ومواردها الفردية وحرية الضمير كانت تتمنى الوصول الى ذلك. ويتساءل المرء أيضاً إذا كانت حرية الضمير متلازمة مع الفردية.
البقاء على قيد الحياة هو الأولوية الأولى. إذا أردت أن تبقى حيا، دون أن يمسّك الوباء فعليك أن تعزل نفسك. تحجر نفسك في بيتك إن كان لك بيت تلجأ إليه. حتى الصحف. هذا الاختراع العظيم الذي يوسّع صلتك بالعالم، ممنوعة عليك. حتى هي ربما كان الفيروس معشعشاً في أوراقها. شاشات التلفزيون لا تفيدك كثيراً. هناك المذيع وتحته خط، وتحت الخط خطاً لخبر آخر، ربما ثالث، وفي كثير من الأحيان خط أخبار رابع. تفقد القدرة على التركيز. الويل لك ان تفوّت شيئاً خاصة عندما تسألك زوجتك عن أمر فاتها وتكون أنت إما شارداً أو مشوشاً في خضم كثرة المعلومات. عقول الذين منا تعودت على التركيز تعجز عن تتبع الشاشات باستيعاب لما يجري. ربما كانت العلة فينا. يجب أن ندرب أنفسنا على متابعة الشاشات والتعايش مع اندفاع المعلومات، غثها وثمينها، حتى لتكاد تفقد عقلك وقدرتك على التحليل.
كل أسبوعين تمدّد فترة الحجر “الطوعي”، السجن الافتراضي. ما هو افتراضي صار أكثر واقعية مما يحدث لك.
انقطعت الصلى الحميمة مع البشر. تفتقد الجلوس في المقهى مساءً مع أصدقاء لتبادل الحديث، بالأحرى لتبادل منتجات عقلية أخرى. ينقطع التبادل إلا في مجال واحد يعتمد على ما تبقى لك من مال تشتري به حاجياتك الضرورية. عليك أن تفعل ذلك بسرعة خوفاً من أن يقترب منك أحد. تذهب الى السوبرماركت وفي ذهنك ان كل الآخرين مصابين؛ لدى كلهم إمكانية أو نية الاعتداء عليك. ربما أنت مصاب ولا تعرف. تخاف أن يكون وجودك معهم اعتداء عليهم. الكل ضد الكل. هذا هو معنى التباعد الاجتماعي. الكلام هنا ليس للتشكيك بفائدة التباعد الاجتماعي، بل هو محاولة تصوّر مجتمع المستقبل.
تقطعت أوصال العالم. تقطعت أوصال المجتمعات. “الحجر التطوعي” سجن انفرادي دون جريمة. هو خوف من جريمة (إصابة بالفيروس) قد ترتكب ضدك. لم تعد أنت البريء حتى تدان، بل أنت المدان حتى تثبت براءتك. كورونا يحكم العالم. يعيدنا الى ما قبل الحداثة. قضى على الساحات العامة. ساحات النقاش والحوار والتواصل. قضى على السياسة. قدم نموذجاً في السلطة معتبراً اياه الأنجع في مواجهة الكورونا، أعني الحكم العسكري والفاشية. زعزع الثقة بالعلم الحديث. عزز دعائم الإيمان، بل الخرافات: إن الوباء ابتلاء من الله، وإن الشفاء منه لا يكون إلا برضى الله بعد غضبه على البشرية بسبب معاصٍ ارتكبتها.
التباعد الاجتماعي قضى على الحميمية في التعامل بين البشر. كلما إلتقى اثنان أو أكثر يحسب الواحد منهم أن الآخر عدواً. العلاقة الاجتماعية هي أنت والآخر، والآخر مستبعد. مجتمع الفاشية هو دائماً مجتمع استبعاد لا احتواء. الكل “آخر” للكل؛ الكل عدو للكل. الأمة المفترضة في هذا المجال ليست من صنع الناس. هي حالة ميتافيزيقية تُفرض على الناس. هي ليست أمة أو مجتمع. لا يستطيع الناس فيها أن يتعاونوا وأن يمارسوا تقسيم العمل. لا يستطيع كل منا أن يكون “حي بن يقظان” أو “روبنسون كروز”: قاطنا على جزيرة متفرداً، يتعلّم كل شيء، ويصنع كل شيء يحتاجه. هذه حياة بدائية وحشية؛ ليس فيها كرامة الانسانية. الكرامة نسبية. تُقاس بحالة أخرى. المواطن الفرد وحيد. غير قادر على التواصل. فاقد الكرامة الانسانية حالة دائمة من الوحشة والحزن. لا يرقص الناس إلا جماعات. أجمل الرقصات ما يتواصل فيها الناس؛ أي عندما يرقصون جماعات. الغناء جماعي. يبرز فيه الفرد. الموسيقى جماعية. الفرقة الواحدة عشرات العازفين. ليس الفن أمراً فردياً. هو ما يقوله الفنان، أو ما يغنيه في حضور الآخرين أي الجمهور. الفن هو قول ما تقوله أنت ويريد الآخرون قوله لكنهم لا يقولونه لسبب أو لآخر. العبقرية أن تقول ما يريد الاخرون قوله. تقوله عنهم لكن بحضورهم. إن لم يستجب الآخرون، ان لم يخاطبهم فنّك فانت لا تقول شيئاً. الأحرى أنك تدور حول نفسك. تغازل نفسك. نفسك المتعالية تدمرها الوحشة. الواحد منا لا يحمل في الداخل إلا بقايا نفسه. وهل يبقى مع الوحدة ووحشة النفس إلا الأشلاء. النفس البشرية لا تكون على سوية إلا بالاختلاط البشري. التباعد الاجتماعي إذا حُمل الى آخره، وهذا أمر ممكن، وان كان غير مرغوب، لا ينتج إلا أعدادا من البشر المتوحدين. ما يُسمى “التوحد” صار حالة متكاثرة في السنين الأخيرة. بدأنا نعرف به عندما أصيب به عدد كبير من الأطفال. قليلة هي العائلات التي ليس فيها فرد “متوحد”. لم يجبنا، حتى الآن، علم النفس عما إذا كان حالة مرضية. لم يجرؤ أحد على القول أن انتشاره مقدمة لتعميمه على البشر. يحاول مستخدمو علم السلوك الاجتماعي معالجة “التوحد” دون جدوى. لا نعرف عنه أكثر مما نعرف عن الكورونا. بذور المجتمع القادم أنتجها المجتمع الحالي والعلم السائد والدين المسيطر. في الدين ذاته تمارس الطقوس جماعياً، لكنك تلقى وجه ربك متوحداً.
الخشية هي أن يطول حال الكورونا. ويطول كذلك أمد التباعد الاجتماعي. أي مجتمع سوف يكون إلا الذي يتشكّل من أفراد متوحدين؟ نعيش من يوم الى يوم. الحاضر ماض ومستقبل كما قال فريدريك جايمسون، وهو أهم العقول الماركسية في هذا العصر. لن يتماسك المجتمع إلا في إطار فاشية مفروضة. أفراد متنافرون. ممنوع عليهم الكلام. هم لا يستطيعون الكلام الى أحد بسبب الحجر الطوعي. تتكلم إليهم الشاشة فقط. وهو يديرها من يدير المجتمع الفاشي، إذا صحت تسميته بالمجتمع، وهو فاقد الحميمية والتقارب والتبادل النفسي والروحي بين الناس. سيُفرض على الناس أن يكونوا كما يراد لهم أن يكونوا. من سيفرض ذلك هو القلة التي تمتلك ناصية التكنولوجيا. ولا يمتلك التكنولوجيا سوى أهل المال.
سيكون مهيناً ومعذّبا تصور المجتمع القادم. يقال أن الكورونا طُوّر في مختبرات. هذا يعني أنه من صنع الانسان. أنا لا أتبع نظرية المؤامرة، بل أريد أن أقول أن التكنولوجيا التي طورها الانسان، بفضل العلم، وبفضل تذاكي ما يُسمى “الذكاء الاصطناعي” هي تكنولوجيا تنهي المجتمع كما نعرفه؛ تؤذن بالاستبداد. تفرغ البشري من انسانيته. ألم يُخترع الروبوت والذكاء الاصطناعي للحلول مكان الانسان. ناهيك عما يُسمى التناسخ وهو خلق كائنات جديدة في المختبر. ألا يطرح علينا ذلك السؤال الكبير حول الأخلاق؟ مادة “الأخلاق البيولوجية” تدرّس في الجامعات منذ عقود. لن تعود الأخلاق، ناهيك عن السياسة، متعلقة بكيفية السلوك البشري، بل بالوجود البشري ذاته. بدأ انهيار الحضارة البشرية مع اعتقاد نخبة تكنولوجية أن بالإمكان خلق (لا اكتشاف) أنواع حية جديدة. وضع الإنسان نفسه مكان الله أو الى جانبه. اعتقدَ أن بإمكانه الخلق. بعد تدمير الطبيعة انتقل التفكير الى الخلق.
منذ عقود طويلة في مطلع القرن الماضي كتب ألدوس هاكسلي حول عالم جديد شجاع. لو قُرِّرَ له أن يعيش الآن لكتب حول عالم جديد مجنون. الجنون هو أن لا يتواضع الإنسان وأن لا يعتبر مهمته الأولى الانسجام مع الطبيعة بدل من إعادة خلقها. دمر الطبيعة في سبيل المال، والآن يدمر المجتمع والحياة الإنسانية في سبيل ماذا؟ ماذا سوى استعلاء النخب التقنية فوق طاقة المجتمع على التحمّل.
في الاقتصاد أعطت الشركات تعليمات لموظفيها، أو لمن بقي منهم، بالعمل في المنزل. الاقتصاد الحديث قام على تقسيم العمل. المنتج الواحد لا يخرج الى الوجود نتيجة عمل فرد واحد بصنع كل شيء داخل في هذا المنتج، بل يخرج المنتج الى الوجود بعد تجميع قطع صنعها الآخرون. دون تقسيم العمل لا صناعة حديثة. هل البشرية تنتقل الى ما بعد الصناعة؟ الى مصنوعات أنتجها الروبوت والذكاء الاصطناعي. وهذه كلها بما في ذلك وسائل الاتصالات والانفصالات يسيطر عليها نخبة من أصحاب العقول والمال الذي يموّل العقول. ليس التباعد الاجتماعي، إذا استمر، سوى مقدمة لهذه الحالة.
منذ زمن ليس بالقصير رفع علماء لواء المعرفة من أجل السيطرة على الطبيعة. شن عليهم رهط من العلماء هجوما كبيراً بداعي أن معرفة الطبيعة شيء والسيطرة عليها شيء آخر. كان بينهم كارل بوبر الذي حذر من السيطرة على الطبيعة، فهي حتماً سوف تقود الى السيطرة على الإنسان. حذر من سيطرة التكنولوجيا تيار فلسفي كبير منذ أواخر القرن التاسع عشر. وعلى رأسهم بوركهاردت ونيتشه ثم هيدجر.
تقسيم العمل يحصل عندما يعمل عدد من الناس في إنتاج سلع تحت سقف واحد أو سقوف متعددة. لم يمنع ذلك من تصنيع بعض قطع السيارة الواحدة في أمريكا وفي أوروبا وفي أسيا ثم تشحن ليتم تجميعها تحت سقف واحد. تقسيم العمل لا يتعلّق بالإنتاجية وحدها. بل أيضاً بحميمية العلاقة بين البشر. عرفت الطبقة العاملة وحدها خطورة الروبوت عندما شنت اضرابات وتظاهرات ضد حلول الصانع الآلي مكان الصانع البشري. عرفت الطبقة ذاتها لا بالمعنى بل بالحس الأحشائي، الحس الحدسي الصادر عما في داخل الإنسان. لم يكن احتجاجها على مجرد أن الآلة سوف تحل مكان البشر في الإنتاج وحسب، بل على أن الآلي سوف يكون هو البشري الجديد. بشري دون روح وحس ونفس وعلاقة.
كتاب أدم سميث “ثروة الأمم” منسوب للاقتصاد. هو في الأساس حول الأخلاق والسياسة كما يشير العنوان الطويل. ليس هناك اقتصاد بحت، هناك اقتصاد سياسي يحركه بشر، ويقرر مساره وتطوره بشر. إلغاء دور الإنسان في الاقتصاد، واعتبار أن الاقتصاد تقرره السوق بواسطة يد خفية، معنى ذلك إلغاء السياسة والأخلاق. معنى ذلك أن الإنسان ما عليه التدخل في الاقتصاد. لا دور للدولة فيه. تستفحل المسألة عندما يعطى الاقتصاد أولوية على حياة الناس. يفكر بعض القادة حول العالم بإعادة فتح الاقتصاد حتى ولوبقي الخطر ماثلاً. لا يأبهون للحياة للبشرية وهم يعرفون أنه حتى لو ظهر تراجع في الوباء الآن، إلا أن هناك احتمال عودة موجة ثانية وثالثة كما حصل في العالم 1918-1919.
التباعد الاجتماعي يلغي حسنات النظام، إذا بقيت له حسنات؛ ناضل الإنسان طويلاً من أجل علاقات أسمى وأكثر حميمية بين البشر. ما عنت الفردية الفصل بين الإنسان والإنسان، بل حرية الإنسان في أن يُنشئ العلاقات وأن يمارس التواصل الذي يريد داخل المجتمع. هذه الإرادة هي ما يتعرّض للزوال. هذه العلاقات بين البشر هي التي ولدت الشعر والأدب والخطابة والرسم والنحت. هي التي ولّدت ما يعتبره الإنسان تراثه. هي ذاكرته عن الماضي. يرى فيها صورة عن مستقبل يصنعه. يقدّم اليوم مكان ذلك، وفي هذه الأزمة، بدايات نظام جديد لا ماضي له ولا مستقبل. هو حاضر دائم، وجود مبني على القلق.
تقطعت أوصال العالم. لن يعود العالم كما كان. ليس هناك حالة طبيعية مرجعية تعتبر السلامة في العودة إليها. هناك حركة دائمة الى حيث لا يدري الإنسان. يوضع الإنسان تحت رحمة، أو عدم رحمة، كائن متسام علوي أو أرضي. عليه الخضوع والاستسلام. يموت التواصل. تموت الإرادة؛ لا حياة إلا في القطيع. يًجبر الفرد على الانضمام الى قطيع ما ليرضخ لإرادة تفرض عليه. سيكون دائما تحت أعين الرقابة. الرقيب هو من يفرض الإرادة. سيكون فردا دون خصوصية. مسطّح الأبعاد، واحد الأبعاد، كما سماه هربرت ماركوز. لن يكون متعدداً في ذاته. سيكون أحادي الجانب، متوحد النفس، مستوحشاً أينما كان، يدور حول ذاته. الفرح سيكون حركات بلهاء، وفي قعرها حزن شديد. فرح يعبر عن حزن، لا فرح يخرق الجدران والموانع ليكون هو التعبير عن الذات. ستكون ذاتاً مفردة.، لكنها ذات مفرغة. الحياة الجديدة بشرية دون روح كما قال الصديق أحمد الغز.
ما زال العلماء يقولون أن الفيروس الجديد يستعصي على الفهم والتقصي. ربما كان قديماً لكن التغييرات التي طرأت عليه، التغييرات العجائبية، جعلته قوياً. يدفع الإنسان ثمن كبريائه واعتباره أنه يستطيع الخلق، خلق إنسان جديد، والجلوس بجانب الله. مع بلوغ الحد الأعلى للكبرياء يحدث الانهيار، انهيار الحضارات كما سماها يارد دياموند. لن تستطيع “الجينات الأنانية” كما سماها ريتشارد داوكينز أن تدافع عن نفسها. لن تستطيع الدفاع عن نفسها لإنشاء تراث إنساني ملؤه التفاؤل والذاكرة النبيلة والإرادة التي تصنع المستقبل اليوتوبيا (حالة المستقبل) سوف تخضع لواقعية يقررها الرقيب وحيتان المال القابعون وراء الرقيب. بدأ هذا التطوّر مع صيرورة المال الى هدف وحيد للإنسان، ومع صيرورة الإنسان ذي بعد واحد مع ملايين الإصابات ومليارات العاطلين عن العمل، فلن يجد شيئاً يتكلم عنه للغير أو يحدّث نفسه به، سوى السعي للبقاء ولو على حساب كرامته ووجوده البشري وعلاقاته البشرية واعتباراته الأخلاقية وتطلعاته السياسية. ربما كان جورج أورويل توقع ذلك في روايته “1984” لكن الوباء يحقق ذلك. وترفع التكنولوجيا انتصاراتها في الروبوت والكلوننغ والذكاء الاصطناعي وسوف تعتبر أنها تحقق ما استطاع، أو لم يستطع، الله تحقيقه.
التباعد الاجتماعي تعبير عن بشرية دون مجتمع، تكاثر دون روابط بشرية مجتمعية. التكنولوجيا هي مجمل صنع الوسائل باستخدام نتائج العلم. عندما تنتصر التكنولوجيا على العلم، تنتصر نخبة ما، صاحبة التكنولوجيا والمال الذي يهبها الوجود، على الإنسان. تتحوّل التكنولوجيا من وسيلة بيد الإنسان، وسيلة تحرر، الى أداة سيطرة. يسيطر الإنسان على الطبيعية. هي سيطرة نخبة متباهية على الإنسان.
مع الوباء سُلّط الموت على البشرية. لم يبق للإنسان سوى هدف واحد هو البقاء متذرراً متباعداً استبعادياً معادياً؛ الآخر بالنسبة له عدو. مجتمع مؤلف من أعداء. الأعداء يقبعون ضمن دولة واحدة بالقمع والقوة. ستقول لهم الايديولوجيا أنهم أمة واحدة، وأن الأمة الواحدة تتجلى فيهم، وأن على كل منهم العيش في سبيل هذه الأمة المتوهمة. هي صورة قائمة لمجتمعات سوف تولد. تولد ميتة فاقدة الحيوية والحس الإنساني والتواصل. لا معنى لبشرية فاقدة الحميمية والتواصل والنقاش والتناقض والشك والسعي نحو الأفضل. البقاء هدف يحل مكان السعي نحو الأفضل. توقع القرآن يوم الحشر. جماعات ووحداناً. فرض علينا أن نكون وحدانا، في الحياة وربما الآخرة.
المجتمع علاقات وروابط بشرية. بعض هذه العلاقات والروابط يمكن أن تتحوّل الى بنى اجتماعية تدوم لأزمان طويلة. يقال في العامية “الأرض التي ما فيها ناس ما بتنداس”. الخوف أن يؤدي “التباعد الاجتماعي”، إذا دام لفترة طويلة، الى كسر الروابط والعلاقات والبنى الاجتماعية. يؤدي ذلك الى تذرير المجتمعات دون أن يجمعها شيء سوى القوة والعنف. سيكون الأمر فوضى لا تُحتوى إلا بوسائل القسر والإكراه، بالأحرى فوضى لا يحد منها إلا القسر والإكراه. هكذا يفقد الفرد حريته وضميره. معنى ذلك أن الفردية إذا كانت محمولة الى حدها الأقصى فإن ذلك يقود الى الحرية بل الى عبودية من نوع جديد. الحرية لا تكون إلا بالفرد ذي الإرادة النابعة من ضميره، والفرد لا يتحقق إلا في مجتمع ذي روابط وعلاقات وبنى. كسر الروابط يعني كسر الفرد بعد كسر الروح التي في ذاته وتدمير هذه الذات.